بقلم المونسنيور بيوس قاشا، بغداد
أين نحن من جمعية سينودس الأساقفة؟، ماذا تقول وثيقة السينودس وخطوطها العريضة؟، ماذا سيحمل رؤساؤنا الروحيون في جعبهم؟ كيف سيناقشون محتوى وثيقة السينودس وأهدافها؟ وبم سيعودون إلينا بعد دراسة وتمحيص مدة أربعة عشر يوما من 10-24 تشرين الأول القادم؟ أسئلة تطرح هنا وهناك. ولكن الحديث المهم اليوم ليس في عقد السينودس فقط ومتابعة جلساته، إنما يجب أن نعلم لنتهيأ ولنؤمن أن السينودس قيامة، عنصرة جديدة، بل عنصرة الألف الثالث، مليئة بأنوار قدسية، تحمل رسل اليوم، أساقفة كنائسنا الشرق أوسطية الذين يعيشون وضعا صعبا، بل مأساويا، في كيفية اللقاء، إلى كيفية إعادة تبشير الذات وعيش الإيمان في الشهادة والشراكة الكنسية مع الكنيسة الجامعة، خليفة بطرس الرسول، وقبول الآخر في العيش المشترك، كون العلامات الظاهرة تقودنا إلى القلق على المصير، قلق العيش مع جيراننا، نخاف منهم، ومن الآتي... أمام هذه التحديات سيكون صوت البابا بندكتس السادس عشر، الساعي الأمين، إلى دعوتهم وفي انتظارهم حيث قبر مار بطرس ليعيد لكنيسة الشرق حيويتها ومشرقيتها وسمو شهادتها وعمق رسالتها برجالها ومؤمنيها، فهو ينتظرهم كما قال: "هناك ينتظركم"... نعم، إنه يتقدمكم إلى روما حيث قبر هامة الرسل، صخرة الإيمان والحق، وينتظركم لترونه هناك... إنه يتقدمكم إلى الجليل... فترونه هناك (متى 7:28).
مسيرتنا نحو السينودس هي مسيرتنا كلنا، أساقفة ومؤمنين، رهبانا وراهبات، "وكانوا كلهم قلبا واحدا ونفسا واحدة" (أع 32:4). في هذه المسيرة أفكار أتناولها في بحث موجز لوثيقة السينودس التي سلمها البابا بندكتس السادس عشر إلى آبائنا الروحيين في زيارته الأخيرة لقبرص من الرابع إلى السادس من حزيران الماضي.
في هذه الأفكار أرسم محطات إيمانية سينودسية، أستلهم منها حقيقة إيماننا كي لا نكون غير مبالين لما يجري حولنا ومن أجلنا بل وحتى ضدنا. فقداسته يدعونا لنشاركه الكلمة والنقاش والقرار، ثم حمل النير (متى28:11). لنتعلم أن نكون أمناء لجرن عمادنا ورسم كهنوتنا، أوفياء لكلمة عقيدتنا... فأبونا البطريرك مار أغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الأنطاكي قد أكد ذلك حينما أعلن في كلمته في افتتاح المؤتمر التاسع عشر لبطاركة الشرق الكاثوليك الذي عقد في دير الشرفة بلبنان في 5 تشرين الأول 2009، وبعد اجتماعهم إلى البابا بندكتس السادس عشر قال: "إن قداسته قد شرح لنا إن من أهداف السينودس أن يعرف العالم، سيما المسيحي منه، بدروب الشهادة التي سلكها المسيحيون في بلادنا المشرقية، وأن يشجعنا وجماعتنا المسيحية كي نظل متجذرين في أرض أجدادنا في شراكة القلب والنفس مع جميع المؤمنين المعمدين، ليس فقط أمانة وحفاظا على الوجود والهوية والتراث بل أيضا كي نتابع باختبارنا حياة الشهادة والإستشهاد، وقد تميز بهما عبر قرون عديدة حضور المسيحيين في الشرق إكليروسا وراهبات ورهبانا وعلمانيين ملتزمين".. ما أجمله كلاما... بل طوبى لمن يدرك معناه.
إذن ها هو البابا بندكتس السادس عشر صاحب الدعوة الهادفة، يدعو إلى التعرف إلى الكنائس الشرقية عموما والكاثوليكية الشرق أوسطية خصوصا، من أجل تعميق وتنمية الحضور المسيحي والدور الريادي لأبناء الكنائس الشرقية، داعيا إياهم إلى الثبات في صفاء هويتهم المسيحية في عيش الإيمان أولا عبر كلمة الله ومسيرة الأسرار المقدسة في شراكة كنسية كاثوليكية من أجل تقديم شهادة حياة مسيحية حقيقية مليئة بالفرح والعطاء ليكونوا قلبا واحدا ونفسا واحدة.
كما يدعو البابا عبر الوثيقة إلى أن يدرك الرؤساء الكنسيون إنهم ليسوا مدعوين فقط لتقديم أحوال بلدانهم فحسب ودراسة نواحيها السلبية والإيجابية، بل هم مدعوون بالأكثر إلى إفهام المؤمنين المسيحيين بأن حس وجودهم في مجتمعاتهم ذي الغالبية المسلمة، من أية قومية كانوا، هو رسالة سامية في مخطط الله.
كما تركز الوثيقة على أن المسيحيين هم مواطنون أصليون في أوطانهم، وينتمون إلى نفس النسيج والهوية ذاتها في بلدانهم الخاصة، وغياب الصوت المسيحي ووجوده سيسبب افتقار المجتمعات الشرق أوسطية وخسارة للتعددية التي ميزت هذه البلدان.
تكشف الوثيقة أن الصراعات السياسية القائمة في المنطقة منذ عقود ولا زالت تؤثر تأثيرا مباشرا وعميقا على حياة المسيحيين بصفتهم مواطنين كما بصفتهم مسيحيين، وهذا ما يجعل وضعهم هشا وغير مستقر.
توصي الوثيقة بأهمية الإستمرار في التربية على الحرية وعلى احترام حرية الآخر، وتخطي المصالح الطائفية في سبيل إخفاق القانون والعدالة. فالحرية الدينية وحرية الضمير لا تعارض بينها وبين حقوق الله... من لا يحترم خليقة الله لا يحترم الخالق... ففي ذلك يكون السلام والعدالة والاستقرار، شروطا أساسية لتنمية الحقوق الإنسانية.
تظهر الوثيقة أن السياسة والإقتصاد هما سببان رئيسان في هجرة المسيحيين وغير المسيحيين من الشرق الأوسط والتي بدأت نهاية القرن التاسع عشر، وتزايدت الهجرة اليوم بسبب هذه الصراعات السياسية وعدم الاستقرار الذي أحدثته مشاكل المنطقة... كما تظهر الوثيقة أن المسيحيين دائماً هم الضحية الأولى جراء تجاهل السياسات الدولية في محافلها الحضورَ المسيحي، وهذا هو أحد الأسباب الكبرى للهجرة.
تطالب الوثيقة كنائس الغرب أن تقوم على حث حكومات بلدانها على إتباع سياسات كفيلة بالمساهمة في تنمية الشرق الأوسط، كما تدعو المسيحيين في كل مكان إلى حمل رسالة المسيح أينما كانوا في ضيقاتهم واضطهاداتهم، مشجعة إياهم على عدم ترك أوطانهم الأصلية بل العمل على اقتناء ممتلكات عقارية من أجل البقاء شهادة لدعوتهم.
توصي الوثيقة أن الشركة داخل الكنيسة الكاثوليكية وبين الكنائس المختلفة ضرورة ملحة... كما توصي أن يبقى مؤمنو الكنائس أمناء لكنيستهم الأصلية، ممارسين حياتهم في الكنيسة التي حملتهم إلى جرن عمادهم، مع العمل على تأهيل المؤمنين تأهيلا جيدا في التعليم المسيحي كون الكنيسة بحاجة إلى صلاة دائمة من أجل الوحدة التي بدأها يسوع نفسه، ومشددة على أن الحوار المسكوني يجب أن يتم على مستويات مختلفة كي يأخذ طابعا جماعيا في البحث عن الحقيقة ولاسيما فيما تعنيه الكنيسة.
أما في حديثها عن العلاقات مع المسلمين، تستشهد وثيقة السينودس بوثيقة المجمع الفاتيكاني الثاني حيث تنظر فيه الكنيسة بتقدير إلى المسلمين الذين يعبدون الله الأحد، مثنية في الآن ذاته على أهمية الحوار الديني الذي يدعمه المجلس البابوي، متمنية أن يتسع أكثر ليشمل فئات واسعة من المؤمنين المسلمين. فأسباب الحوار بين المسيحيين والمسلمين هي الموضوع الأكيد في العيش المشترك وقبول الآخر ضمن وطن واحد ولغة نفسها وثقافة عينها، ومقاسمة الطرف الطرف الآخر في أفراحه وآلامه، ففي ذلك يكون مفتاح النجاح للتعايش هو الاعتراف بالحرية الدينية للآخر وبحقوق الإنسان، وعبر ذلك يتجذر المسيحيون في مجتمعات هم أعضاء فيها، فيكونوا بذلك مساهمين في قول الحق في وجه الأقوياء الذين يقترفون الظلم، أو من يجاوبون على الظلم بالعنف. فعنف الأقوياء والضعفاء على حد سواء قاد منطقة الشرق الأوسط إلى فشل متكرر وتخلف أكيد عن ركب الدول الأخرى. كما يساهم المسيحي في شجب العنف بشجاعة مقترحا الحل السلمي وهو الغاية الأكيدة.
وفي الختام، تضع الوثيقة خاتمة سطورها، إن كل رجائها ما هو إلا في العناية الإلهية قائلة: "لا تخف أيها القطيع الصغير" ( لو32:12)... نعم، فقرات تحديات سريعة العطب، إذا ما كانت بعيدة عن أرضية القبول والواقع، والدعوة هي لنا أن نكون عنصرا رئيسا لحضورنا المسيحي ولشهادتنا في بلداننا وأوطاننا... ولكن هل يحسب الآخرون أن لنا بلداننا وأوطاننا أم أننا غرباء يجب إزالتنا أو تهجيرنا... فإيماننا هو شهادة لدماء آبائنا الذين ضحوا في سبيل أوطاننا... لتبقى دماء الأبرياء شهادة لمسيرة الحياة والرجاء.
السينودس هو الرجاء الذي ننتظره... وفي المسيح يسوع، لا يخيب رجاؤنا(عبر 18:6